الفن في عصر الذكاء الاصطناعي: هل اقترب أفول الإبداع البشري؟

ADMIN

Administrator
طاقم الإدارة
خلال العامين الأخيرين، تبدَّلت قواعد صناعة الإعلام كما نعرفها.. فبعد أن كانت الأفكار تحتاج إلى سنوات من الجهد والخبرة والتقنيات المعقدة لتتحول إلى محتوى بصري متكامل، جاء الذكاء الاصطناعي التوليدي ليعيد رسم الحدود بين الخيال والتقنية، ويغير ملامح الإبداع الإنساني إلى الأبد.

لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد أداة مساعدة أو تقنية خلف الكواليس، بل أصبح شريكاً إبداعياً قادراً على كتابة النصوص، وتوليد المشاهد، وتركيب الأصوات، واقتراح الإيقاع السردي للقصة، في تحول جذري يعيد تعريف مفهوم “الابتكار” ذاته.

وبينما يرى البعض في هذه الثورة تهديداً للمبدعين، ويتردد آخرون في تبنيها؛ لا يمكن إنكار أن العالم يشهد قفزة نوعية في تكنولوجيا الفيديو بالذكاء الاصطناعي خلال الأشهر الأخيرة.

How Artificial intelligence tools change movies production


صناعة الفيديو تدخل مرحلة الذكاء الاصطناعي


بهذا الصدد، توضح “لورا سيونتون جوبتا” من منصة “إل بي بي” (LBB) أن التطورات المتسارعة في تكنولوجيا الفيديو بالذكاء الاصطناعي أدت إلى بروز لاعبين جدد في الصناعة، وإلى إعادة تشكيل طريقة عمل شركات الإنتاج الكبرى.

فبعد أن كانت شركات الإنتاج التجاري تعتمد على فرق ضخمة وميزانيات هائلة، تواجه اليوم واقعاً جديداً تقوده أدوات ذكية قادرة على توليد محتوى أولي خلال ساعات بدلاً من أسابيع، ما ألهم ظهور جيل جديد من الشركات التي تتعامل مع الذكاء الاصطناعي كمادة خام إبداعية.

من أبرز هذه النماذج شركة “سيلفر سايد” (Silverside) المنبثقة من وكالة “بيريرا أو ديل” (Pereira O’Dell)، التي تبنَّت هذه التقنيات منذ بداياتها رغم الانتقادات، إضافة إلى “أنيما أستوديو” (Anima Studios) التي انطلقت من حساب صغير على “تيك توك” يديره أربعة أصدقاء، قبل أن تتحول لاحقاً إلى أستوديو معتمَد من علامات تجارية كبرى.

هذه الأمثلة تؤكد أن الذكاء الاصطناعي التوليدي لم يعد امتيازاً للمحترفين وحدهم، بل أصبح أداة ديمقراطية فتحت الباب أمام موجة جديدة من المبدعين لإعادة تعريف قواعد الصناعة الإبداعية.



الذكاء الاصطناعي: شريك في الإبداع لا بديل عنه


خلال العام ونصف العام الماضي، شهد العالم طفرة مذهلة في قدرات توليد الصور والفيديوهات بالذكاء الاصطناعي.. فبعد أن كانت هذه الأدوات تنتج أعمالاً فنية تجريدية، أصبحت اليوم قادرة على إنشاء صور ومقاطع فائقة الواقعية تكاد تمحو الحدود بين الحقيقي والاصطناعي.

منصات مثل “سورا” (Sora) و”ران واي” (Runway) و”لوما” (Luma) أطلقت تحديثات متقدمة عززت من جودة الفيديوهات المنتجة بالذكاء الاصطناعي، فيما كشفت جوجل عن نموذج “فيو 3” (Veo 3) الذي يتيح توليد صوت أصلي متزامن مع الصورة بدقة مذهلة.

في السياق نفسه، يرى “كُنت بوسيل” من شركة الإنتاج الأسترالية الناشئة “إيه آي كاندي” (AiCandy) أن التقدم في الفيديو بالذكاء الاصطناعي يمكن قياسه من خلال مقارنة بسيطة:

في عام 2023، كان مقطع “ويل سميث” وهو يأكل السباجيتي مثالاً على الفوضى البصرية، أما اليوم، فالمشهد ذاته يُنتَج بجودة مذهلة وواقعية مذهلة، دون التشويش الذي كان يثير الرعب في النفوس.

هذا التطور يعكس الإمكانات الهائلة للذكاء الاصطناعي كشريك إبداعي للفنانين والمصممين، ما دفع “سجال أمين” المديرة التقنية في “شاتر ستوك” (Shutterstock) للقول:

نحن متحمسون لتبني الذكاء الاصطناعي كأداة تعزز العملية الإبداعية، مع ضمان حصول الفنانين على تعويض عادل عن ملكيتهم الفكرية.

وهكذا، تتجلى القيمة الحقيقية للذكاء الاصطناعي حين يُدمَج بعناية ضمن سير العمل الإبداعي، إذ يمنح المبدعين القدرة على تجسيد الأفكار بسرعة وتجريب مفاهيم جديدة وابتكار رؤى فنية تتجاوز حدود الخيال التقليدي.

ai film production


الذكاء الاصطناعي: أكثر من مجرد مساعد


تتجاوز إمكانات الذكاء الاصطناعي حدود المهام الجزئية لتصل إلى إعادة هيكلة كاملة في سلاسل القيمة الإعلامية.. وفي هذا السياق ظهر نموذج “إيه آي فيرست” (AI First)، الذي يبدأ فيه الإبداع بالذكاء الاصطناعي وينتهي باللمسة الإنسانية.

من أبرز الأمثلة على هذا التحول فيلم “ذا فورست” (The Forst) من إنتاج “واي مارك كرياتيف لابس”، حيث اعتمد الفريق في مرحلة الإنتاج على الذكاء الاصطناعي لتوليد النصوص، والتعليق الصوتي، والمؤثرات البصرية، قبل أن يتولى الخبراء البشريون صقل النتيجة النهائية لتخرج بمستوى فني متقن.

من جانبها، تصف “أريانا بوكو” الرئيسة السابقة لشركة “آي إف سي فيلمز” (IFC Films)، هذا التحول بقولها:

مثل أي أداة جديدة، قد يبدو الذكاء الاصطناعي مخيفاً في البداية، لكن لا شك أنه سيغير الصناعة، وربما يكون هذا التغيير للأفضل.

هذه الرؤية تُعبِّر عن واقع جديد: الذكاء الاصطناعي لا يلغي دور الإنسان، بل يعيد تشكيله، ليصبح العنصر البشري هو الضامن للجودة والمعنى، فيما تتولى الخوارزميات المهام الإبداعية الأولية.



وفرة بلا تميُّز: الوجه المظلم للذكاء الاصطناعي


يرافق هذا الازدهار خطر لا يمكن تجاهله، فسهولة توليد المحتوى بالذكاء الاصطناعي قد تؤدي إلى تشبُّع السوق بأعمال متشابهة، ما يقلل من قيمة الإبداع الفريد ويحوله إلى سلعة قابلة للاستبدال.

ففي قطاعات كالإعلانات والسينما والإعلام المرئي، حيث تُعد الأصالة جوهر النجاح، قد تؤدي وفرة الإنتاج المؤتمت إلى تآكل المعايير الفنية وتراجع القيمة الجمالية.

وفي حين يجد العملاء الصغار في الذكاء الاصطناعي فرصة اقتصادية بديلة عن التكاليف العالية، فإن هذا الانفتاح يطرح تحدياً جديداً: كيف يمكن الحفاظ على التميُّز وسط ديمقراطية الإبداع؟

تكمن الإجابة في تمسك المبدعين بجوهر الإبداع البشري: الفكرة الفريدة، والرؤية الفنية الأصيلة، وجودة التنفيذ.. فهذه العناصر ستظل علامات فارقة تميِّز العمل الإنساني في بحر المحتوى المولَّد آلياً.

Pixabay.webp


التفاعل هو التميُّز الجديد


مع تصاعد دور الذكاء الاصطناعي في المشهد الإعلامي، يتبدل تعريف “التميُّز” في صناعة المحتوى، إذ لم تعد القيمة في جمال الصورة أو جودة الإنتاج فقط، بل أصبحت في قدرة المحتوى على التفاعل والتكيُّف مع الجمهور في الوقت الفعلي.

يمكن القول أن البشرية دخلت مرحلة جديدة من الإعلام التفاعلي، حيث تنتقل القوة من “ما يُقدَّم” إلى “كيف يُستقبَل”.

فالشركات التي تستثمر في تحليل البيانات وسلوك الجمهور تستطيع اليوم إنشاء حلقة تفاعلية مستمرة بين المحتوى والمستهلك، ما يمنحها ميزة تنافسية يصعب مجاراتها.

والمستقبل، من هذا المنظور، يتجه نحو إعلام شخصي وتكيفي، يُصمم لكل مستخدم بشكل فردي، ليتحول الجمهور من متلقٍ سلبي إلى شريك في رسم مسار القصة نفسها.



الإعلام التكيُّفي: المستقبل لحظة بلحظة


بفضل انخفاض تكاليف الإنتاج التي أتاحها الذكاء الاصطناعي، تطورت توقعات الجمهور بسرعة مذهلة، ومع هذا التطور، تبرز الحاجة إلى بناء أنظمة إنتاج مرنة قادرة على تعديل المحتوى بشكل لحظي وفق بيانات المستخدم.

فهذه الثورة قد تفرض إعادة هيكلة جذرية لصناعات بمليارات الدولارات، لتتكيف مع متطلبات الإعلام التفاعلي الجديد.

تخيل مثلاً عالماً تتحول فيه الإعلانات إلى حوارات ذكية مخصصة لكل مستخدم، أو أفلاماً تتطور قصصها في الوقت الفعلي بناءً على مشاعر المشاهد، أو أحداثاً رياضية تفاعلية تُعرض إحصاءاتها على طاولة منزلك بتقنية الواقع المختلط.. هذا هو المستقبل الذي قد يرسمه الذكاء الاصطناعي للإعلام.

featured AI production


خلف الكواليس: ليست بهذه البساطة


قد يظن البعض أن إنتاج فيلم بالذكاء الاصطناعي لا يتعدى كتابة “موجِّه” (Prompt) والضغط على زر، لكن الواقع أكثر تعقيداً بكثير.. فوراء المشاهد المذهلة تقف عمليات معقدة ومتعددة الطبقات تتطلب معرفة تقنية وسينمائية متقدمة.

بهذا الصدد، يقول “توباي والشام” من “ميد باي هيومنز” (Made By Humans):

الأمر يشبه بدايات المؤثرات البصرية.. ليس الجميع قادراً على القيام به. الذكاء الاصطناعي ليس كتابة موجِّه فقط، بل هو فن وسرد وإدارة تقنية دقيقة.



من جانبه، يضيف “جاك جودوين” المنتج التنفيذي في “كودي” (Kode):

هناك من يجيد استخدام الأدوات، لكنهم لا يمتلكون الخبرة في السوق والفئة المستهدفة.. نجاح المحتوى يعتمد على الدمج بين الإبداع، والمعرفة التقنية، والفهم التجاري.

وهكذا يتضح أن الذكاء الاصطناعي لا يلغي دور الإنسان، بل يرفع سقف المهارة المطلوبة، حيث تمتزج الخبرة الفنية مع القدرة على إدارة الأدوات الذكية.

Hollywoods Future How AI and New Technology Are Transforming the Industry.002


نحو القاع أم رحلة لرفع المعايير؟


رغم إمكانية استخدام الذكاء الاصطناعي لإنتاج محتوى سريع منخفض الجودة، فإن قيمته الحقيقية تكمن في رفع مستوى المعايير الإبداعية لا خفضها، فالمبدع الحقيقي مَن يستثمر هذه الأدوات لتوسيع أفقه الفني، لا لتقليص جهده الإبداعي.

وبفضل الذكاء الاصطناعي، بات بإمكان الشركات الصغيرة إنتاج أفكار جريئة كانت مستحيلة في السابق، كما أصبح بإمكان الشركات الكبرى زيادة نطاق التجريب والابتكار.. لكنه يظل أداة، لا بديلاً، لأن الإبداع البشري والخبرة الفنية هما ما يمنحان المحتوى الحياة.

فالحذر من الانزلاق إلى “المحتوى السطحي السريع” ضرورة، لأن الأدوات الذكية وحدها لا تخلق فناً عظيماً.. فيما تظهر القيمة الحقيقية عند دمج الذكاء الاصطناعي مع الرؤية الإنسانية والقدرة على سرد القصص المؤثرة.



الذكاء الاصطناعي: منصة انطلاق للإبداع لا نهاية له


تُشير المعطيات الحالية إلى وقوفنا الآن على أعتاب مرحلة جديدة من التاريخ الإبداعي، حيث يصبح الذكاء الاصطناعي منصة انطلاق للإبداع الإنساني، لا بديلاً عنه، بوصفه أداة تُوسِّع الخيال، وتُسرِّع الابتكار، وتتيح لنا تخيل ما لم يكن ممكناً من قبل.

فيما تظل اللمسة الإنسانية هي الأساس الذي يمنح المعنى، ويصنع الجمال، ويُحوِّل التقنية إلى فن.. فالآلة قد تكتب القصة وتُخرِج المشهد، لكن الروح التي تُحرِّك الصورة ستبقى إنسانية إلى الأبد.



المصادر:

AJNET

ظهرت المقالة الفن في عصر الذكاء الاصطناعي: هل اقترب أفول الإبداع البشري؟ أولاً على بلوك تِك.

المصدر
 
عودة
أعلى